1 قراءة دقيقة
في يوم المرأة العالمي

يجب أن يكون كل يوم هو يوم عالمي للمرأة، ففي كل يوم تقوم كل امرأة بعمل رائع يسهم في تغيير العالم إلى الأفضل، يكفي أنها موجودة، بطاقتها الأنثوية الرائعة، وبروح الجمال والنعومة التي تمتلكها، لتضفي على الجمال جمالاً، وإلى الحياة حياة. 


المرأة تمتلك قدرات ومواهب لا يمكن أن يمتلكها سواها، وإذا ما وجدت الدعم والمساندة، فإنه بإمكانها أن تحدث فرقاً كبيراً أينما وجدت. ولكن ليست أي امرأة، إنها المرأة السوية، المتوازنة في طاقتها الانثوية والذكورية، المرأة السوية التي تقدر أنوثتها، وتعتز بها، المرأة المتصالحة مع عيوبها، والمتقبلة لذاتها، والتي ترى انها قيمة، وأنها تستحق الحب والاحترام. 


وهنا أوجه رسالة لكل من يشارك في تربية المرأة من أسرة ومؤسسات ومجتمع، حتى تنشأ إمرأة سوية تساهم في إحداث الفرق. عزيزي الأب وعزيزتي الأم، الأبناء أمانة في أعناقكم، فكونوا خير قدوة لهم، حتى ينشأ جيل فعال، قادر على قيادة المستقبل بكل اقتدار، وأوصيكم بالبنات خيراً، لا تفرحوا بالذكر، وتعتبروا أنه أفضل من الأنثى، ولو أنني أعلم أن كثير من هذه المعتقدات المتوارثة قد حُطمت، ولكن لا يزال الأهل يرون أن الفتاة ضعيفة، ويجب أن تمنع من كثير من حقوقها، كحق التعليم وحق العمل، بحجة الخوف من المجتمع، متناسين أن العالم أصبح قرية صغيرة، وما تخشونه في الخارج موجود في عقر بيتكم، لذلك أفضل وسيلة هو إعطاء الثقة للفتاة، ومشاركتها همومها ومخاوفها وطموحاتها، حتى لا تبحث عمن يشاركها في الخارج. 


عزيزتي الأم، أحبي نفسك، واحترميها، وقدمي لها الرعاية والاهتمام، حتى ترث ابنتك ذلك منك، فإن أول معنى للحب يتكون لدى الأبناء، من حب الأم لذاتها، وحب الأب لذاته، وهنا أتكلم عن الحب الفطري المطلق الذي لا يشترط الشروط ولا يضع الأحكام، حتى نتقبل أنفسها ونحترمها، ولا أتحدث عن النرجسية والتكبر والغرور، فشتان ما بين الاثنين. 


عزيزي الأب وعزيزتي الأم، انتبهوا لعلاقاتكم أمام الأبناء، ولاسيما الفتيات، فإنهم أكثر عاطفة، انتبهوا لعلاقتكم ببعضكم البعض، حتى ينتج أبناء أسوياء، حسنوا علاقاتكم بأنفسكم حتى تتحسن علاقتكم بالشريك، وانتبهوا لطريقة تعاملكم مع بعضكم البعض أمام الأبناء. فعلاقتكم الزوجية هي أول علاقة حب متجسدة أمام الأبناء، والتي من خلالها يمكن أن يتكون مفهوم الحب، وتتكون جروح الطفولة، والتي من خلالها تتكون علاقتهم بأنفسهم وبشركاء حياتهم. 


قابلت فتاة في عمر الزهور، في إحدى جلساتي، وشعرت من خلال الحديث معها أن هناك حزن عميق في داخلها، ومع الحوار والنقاش، أخبرتني: أن والديها يوفران لهم كل ما يحتاجونه من الناحية المادية، يلبسون من أغلى الماركات العالمية، ويأكلون ما لذ وطاب من الطعام، ويسكنون في منزل فخم في منطقة راقية، ولكن الجميع يتردد على عيادات الطب النفسي، وذلك لأن علاقة الأم والأب سيئة جداً، تخبرني أنها ترى كل أنواع الضرب والسب والشتم، وأن جدول الأم والأب هو: بعد انتهاء فترة العمل الخروج خارج المنزل مع الأصدقاء، وأنه لا يوجد وقت للأبناء، فهناك خدم، ومعلمين خصوصين، وسائق. تبكي تلك الفتاة بحرقة، وتقول لي أنا لا أريد هذه الحياة، أريد أن أعيش حياة سوية، مع أبوين محبين. 


الأمر مهم جداً، بل في غاية الخطورة، حيث أن الجسد العاطفي يكتمل في أول سبع سنوات من الطفولة، وإذا كانت علاقة الزوجين بأنفسهم وبالآخر سيئة، سوف تتكون البصمة العاطفية، وفيها الكثير من التشوهات المعرفية، والفراغات العاطفية التي تحتاج إلى تكامل. وأنا هنا أشدد على المرأة أكثر من الرجل، كون الجزء الأكبر من التربية يقع على عاتقها، انتبهي لنفسك، واعرفي أن أي ردة فعل سلبية تبدو من أبنائك، هي في الحقيقة انعكاس لبصمة عاطفية مشوهة، أو جرح طفولة يحتاج إلى تكامل، فالطفل الغاضب، هو انعكاس لغضب الأم، لذلك تعاملي مع غضبك، وحزنك، واحباطك، وخيبات أملك، حتى تنعمي أنت وطفلك بالسلام الداخلي. وأشدد على دور الأهل في تربية الفتيات، فلا تكثروا المقارنات، ولا تركزوا على السلبيات، ولا تضعوا الشروط والأحكام في مقابل حب الطفل وتشجيعه أو الثناء عليه. 


قابلت امرأة ذات يوم، لديها طفلة أقل من سبع سنوات، الطفلة في غاية الجمال، فقلت لها : (ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ماهذا الجمال كله، البنت تحفة صاغها الرحمن من أحلى التحف!) – ممازحة إياها – ضحكت وقالت :هذه السوداء...  لورأيتي أخواتها لعرفتي ماذا تعني كلمة جمال.  كانت الفتاة لاهية في اللعب، وما أن سمعت أمها التفت، وفي عينيها نظرات تعجب وحزن،  ثم أكملت لعبها. همست في أذن الأم لا تقارنيها بأخواتها، حتى لا تهتز ثقتها بنفسها، وتكبر وهي تشعر أنها أقل من الآخرين، ضحكت وقالت لي: ما هذه الخزعبلات! 


وهنا أشدد على المرأة أنه يجب عليها أن تثقف نفسها بكيفية تربية الأبناء، وبكيفية تعزيز الثقة وحب الذات فيها وفيهم. وأن تنتبه لأسلوب الثواب والعقاب، حيث أن كل هذا قد يدمر الأبناء بمرور الوقت، فينشأ جيل مهزوز، لا يعرف طاقاته وإمكاناته الحقيقة، ويشعر بالدونية والانحطاط. لعزيزي الرجل، لا تفضل الذكور على الإناث، ولا تعطل الأنثى أيا كانت علاقتك بها، سواء أم أو أخت أو زوجة أو أبنه، لا تعطلها عن إكمال تعليمها، ولا تعطلها عن الالتحاق بعمل يشبع شغفها، ولا تعطلها عن الزواج بمن تحب، ولا تعطلها عن الاستمتاع بقضاء وقت مع صديقاتها، أو مع نفسها. اترك لها حق الاختيار، وامنحها مساحتها الخاصة، وهنا سوف تزهر، وينعكس ذلك على حياتك بشكل ايجابي، فشعور المرأة بقيمتها الذاتية، وأنها مهمة، وأن لوجودها معنى في الحياة، سوف يسهل حياتك، ويجعل العقد يكتمل، وتنشأ منظومة مشعة من الحب والجمال تضيئ الكون. والحمد لله، نحن هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تجد المرأة كل الدعم من الحكومة، وتوفر الدولة، كل سبل التعليم والترفيه والدعم للمرأة، وهذا ساهم بشكل كبير في تسريع عجلة التنمية في الدولة، حيث كان للمرأة الدور الكبير، في المساهمة في تنمية الأسرة والمجمتع، عندما تم الاعتراف بإمكانياتها، وتشجيع مواهبها، أبدعت المرأة وفجرت ما لديها من طاقات، لرفع عجلة التنمية في الدولة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.